آخر تحديث

29 - 3 - 2008

بلادي ولا أحلى ولا أبهى ولا أنضر كلما عانيت من أجلك أحببتك أكثر.

 

تاريخُ الحضارةِ الأندلسية

إن العرب قد انتشروا في البلاد يبشرون بفجر الخلاص ، في هذه الأرض الجديدة استطاع العرب أن يوطدوا حكمهم ، ويستقروا في أرض خصبة طيبة ذات مناخ معتدل وسماء كريمة ، وأنهار عذاب تتفجر بالخيرات كتفجرها بالمياه ، فأقاموا مجتمعاً متكاملأ فيه سماتهم  ، وعليه  طابعهم المميز فغدت الحياة في الأندلس قرة أعين الناس بعد أن نشر عليها عدل العرب

وقد تغنى الشعراء الأندلسيون بجمال الطبيعة الأندلسية ، فابن خفاجة الذي لقب (( بالجنان ))  و (( بصنوبري الأندلس )) يشبهها بالجنة فهو يقول :

يــا أهــل أندلـــس لله دركـــم           مــاء وظل وأنهار وأشــــجار
 

مـا جـنـة الخـلـد إلا في ديـاركــم         ولـــو تخـيـرت هذي كنت أختار
 

وصف الطبيعة عند الشعراء:

قد ألهبت طبيعة الأندلس الجميلة قرائح الشعراء ، فرسموا لوحات شعرية متنوعة أودعوها أخيلتهم وعواطفهم . فالأندلس بلاد الطبيعة الجميلة السخية الثرية الساحرة المعطاء ، والأندلسيون قوم يغلب عليهم الآداب ويأسرهم الشعر فتفننوا في قوله وإنشائه وأحسنوا في الاستماع إليه وإنشاءه فكان للطبيعة نصيب كبير من العناية بها  والافتنان في وصفها حدائق وبساتين ، ورياضاً وأزاهير وروداً ونواراً ، وحمائم وأطيار، وجداول وأنهار وخلجاً وغدراً ، وبركاً وسواقياً ، وخضراً وأثمارا ،وزوارق ومراكب ، وثلوجاً وأمطارا ، وكل ما يخطر على النفس من جميل يتصل بالطبيعة أو طريف يرتبط بها بآصرة نسب أو وشيحة علاقة  وصفوه وصفاً بديعاً، وصوروه تصويراً فاتناً مختلف الألوان ،فيه الفاقع الزاهي ومنه الداكن الوقور فلقد أبدع الشاعر في العصر الأندلسي في شعر الوصف فسعي إلى  الطبيعة في حب وإعجاب ، فأنتشى بمحاسنها واتخذها مثلاً يحتذى به  يصوره ، ويقلده بالأصوات أو بالألوان ، فكان الرسام والنحات والموسيقي والشاعر فهذا ابن خاتمة الأنصاري التفت إلى الطبيعة الأندلسية من حوله فأغراه جمالها ، وفتنة سحرها ، ووجد فيها مادة خصبة لوصفها والنقاذ منها إلي تأملاته الفكرية وإذا كانت الطبيعة في الأندلس فتنة وسحراً حلالاً ، فإن الربيع يجعلها عروساً في أبهج مفاتنها ، حتى لتغدو جنة تخلب الألباب وتستولي على القلوب وتجلى ذلك في قوله :

الأرض بين مدج ومحلل              والروض بين متوج ومكلل
 

والزهر بين مورد ومورس             والنشر بين ممسك ومصندل
 

ولا ننسى الشاعر صفي الدين الحلي الذي أبدع في وصف الربيع حيث قال :

ورد الربيع ، فمرحباً بورده ،                  وبنور بهجته ، ونور وروده
 

ووصف أيضاً الظل مبد عاًفي وصفه حيث قال :

والظل يسرق في الخمائل خطوة             والغصن يخطر خطرة النشوان
 

ولم يكتف بذلك بل تطرق لنا إلي وصف الغصن والشمس فقال :

وكأنما الأغصان سوق روا قص              قد قيدت بسلاسل الريحان
 

والشمس تنظر من خلال فروعها             نحو الحدائق نظرة الغيران
 

ونكتفي بذلك ونأتي إلي أناقة أبي الصلت ورشاقة لفظه وبهجة الصورة التي يرسمها للطبيعة وهو يصف حديقة أحد القصور في فصل الربيع ويخلع عليها من الألوان الزاهية والصور الناضرة أكثر مما خلع الربيع نفسه فيقول فرحا ً:

حاك الربيع لها من صعوبة حبراً             كأنها الحلل الأفواف والصحف
 

فكأن النجوم في اللـيل جيـش               دخلوا للكمون في جوف غاب
 

ففي هذه الصورة صور الغابة في الطرافة ولم يكتف بذلك بل تطرق لنا إلى وصف صورة الصباح ومنها تدل على دقة عجيبة في الرسم والتجسيم معاً وتجلى ذلك في قوله :

وكأن الصباح قانص طير                      قبضت كفه برجل غراب
 

وإذا كان يصف الطبيعة فلا بد أن يصور القمر مثل الغدير كتخيلات ابن شهيد الخاصة وأيضاً رؤية النجوم قي شكل ضأن أو صوار فهي متوفرة في الشعر القديم كشعر ذي الرمة ومن ذلك كتب البيتين الآتيين :

 ورعيت من وجه السماء خميلة              خضراء لاح البدر من غدرانها
 

وكأن نثر النجم ضأن وسطهـا               وكأنما الجوزاء راعي ضأنهـا
 

وهكذا نرى أن الشعراء أبدعوا في العصر الأندلسي في شعر الوصف فقدموا نماذج ولوحات فنية رائعة تنم عن العبقرية ودقة التصوير وجماله ولقد وصف لنا ابن حمديس الصقلي النهر بقوله :

ومطرد الأجزاء يصقل متنه                صباً أعلنت للعين ما في ضميره
 

ووصف لنا بركة في قصر أبتناه المنصور :

أسـد كـأن سكونـها متحـرك                في النفس لو وجدت هناك مثيرا
 

وضراغم سكنت عريـن رآسة                 تركت خرير الماء فيه زئـيراً
 

 وكأنـما نسج النسيـم لمـائـه                 درعاً فقد سردها تـقـديـراً
 

وها هو ابن  خفاجة يصف لنا زهرة بقوله :

ومائسة تزهي وقد خلع الحيا                  عليها حلى حمراً وأردية خضراً
 

 يذوب لها ريق الغمائم فضة                    ويجمد في أعطافها ذهباً نضراً
 

ووصف لنا أيضا نهراً ينساب من أحد المروج :

لـلـه نهـر سال في بطـمـاء              أشهى وروداً من لمى الحسناء
 

 قد رق حتى ظـن قرصاً مفرعاً                من فـضة بـردة خـضراء
 

 والمـاء أسرع جريـه منحـدراً               متلـويـاً كالحـيـة الرقطاء
 

  وقد كان للأندلس أثرا عظيما في نفسه فقال يصف بلاد الأندلس :

يا أهل أندلس لـلـه دركـم                      مـاء وظل وأنهار وأشجار!
 

 ما جنة الخلد إلا في دياركم                     ولو تخيرت هذي كنت أختار
 

لقد كان وصف الطبيعة نوعاً من الاحتذاء لبعض الشعراء الأندلسيين الذين تميزوا في وصف الطبيعة والمباني والقصور فمنهم من وصف الربيع والطيور والليل ............الخ وقد ألم الأندلسيون  بالأزهار فقد كان موضع اهتمامهم كما فعل شعراء حلب الشهباء فوصفوا الورد والنرجس والقرنفل وغيرها من الأزهار في وصفه ومن هؤلاء الشعراء ابن حمديس حيث وصف لنا باقة من الورد كانت قد ذبلت وهو يحترق حزناً وأسىً عليها قائلاً :

يا باقة في يميني بالروي ذبـلت                   أذاب قلبي عليك الحـزن والأسى
 

ألم تكوني لتاج  الحسن جوهرة                   لما عزفت  فلا    صانك  الصدف
 

وإذا تعرضنا لزهرة الياسمين نرى شعراء كثيرين قد وصفوه حيث أن الشاعر المعتمد أبو القاسم بن عباد شبهها بالأغصان الخضراء الملتفة بدراهم المندثرة على ثوب أخضر يتجلى ذلك في قوله :

وياسمين      حسن       المنظر              يفوق في المرأى وفي المخبـر
 

كأنه   من    فوق        أغصانه             دراهم    في   مطرف   أخضر
 

أما زهرة القرنفل فتبدو في سماء الزهريات الأندلسية متأخرة بعض الشيء ولكنها مع ذلك سحرت لب الشاعر الأصيل أبو عبد الله محمد بن يوسف بن زمرك حيث قال :

رعى الله زهراً  ينتمي   لقرنفل                حكى عرف من أهوى وإشراف خده
 

أميل إذا الأغصان مالت بروضة                أعانق منها القصب  من   عرف نده
 

ولكن بعض الشعراء الأندلسيين المشارقة عمدوا إلى وصف الأشجار وفي مقدمة هؤلاء الأندلسيين ابن خفاجة الأندلسي حيث وصف شجرة الأناخ بقوله هذا :

سقياً ليوم  قد  أنخت     بسرحة               ريا    تلاعبها      الشمال     فتلعب
 

يلهو    فترفع    للشبيه     راية                 فيه        ويطلع    للبهارة    كوكب
 

والروض وجه أزهر والظل فرع               أسود     والماء       ثغر      أشنب
 

ومن الأشجار التي وصفها الأندلسيين شجرة اللوز حيث أبدع الشاعر أبو بكر بن بقي حينما وصف شجرة اللوز قائلاً :

سطر من اللوز في البستان قابلني              ما زاد شيء ُ على  شيء  ولا نقص
 

كأنما   كل   غصن    كم     جاربه            إذا  النسيم   ثنى   أعاطفه     رقص
 

 ومن الشعراء الذين أحسنوا في وصف الثلج أبو بكر محمد بن سيردين وقد كان يعيش في غرناطة فلما نزل الثلج قال :

رعى   الله من   غرناطة     متبواً             يسحرنا     أو      يجبر        طريداً
 

ولكن بعض الشعراء وصفوا البرد ولعل أبرزهم الشاعر عبد الجبار  بن حميدس  حيث وصف البرد بقوله :

نـثـرالجـو على الأرض   بـرد                    آي در لـنـحـور لو جـمـد
 

ولم يقف الشاعر عند هذا الحد من وصف الظواهر الطبيعية بل وصف الرعد فها هو الشاعر ابن معتز يصف لنا بأن الرد أنينه والبرق نار حرقته والمطر دموعه حيث قال :

فكأن     الغمام      صب     عميد                   أن    بالرعد    حرقة    واشتكاه
 

وكأن    البروق      نار       جواه                 والحيا    دمعه    يسيل      بكاء
 

ومن روائع شعر ابن هانئ ما نظمه في وصف المطر وما يعقبه من جمال الطبيعة ، حيث قال   :

ألـؤلـؤ مع هـذا الغيـث أم نـقـط              مـا كان أحسـنـه لـو كـان يلتقط
 

 والبـرق يظهـر في لألاء عـزّتـه          .قاض من المزن في أحكامه شطـط
 

والأرض تبسط في هذا الثرى ورقـاً              كمـا تنشر في حافـاتها الـبسط
 

والريح تبعث أنفاســـاً معطــره.                مثل العبير بـماء الـورد يختلـط
 

وقال المعتمد بن عبّاد في وصف الياسمين ، وهي من الأزهار المحبوبة لدى الأندلسيين :

وياسمين ٍ حسَن ِالـمـنـظـر ِ                 يـفوقُ في المـرأى وفي المخبـرِ
 

كأنه من فـوق أغـصـانــه             دراهمُ في مُطرف ِ أخـــــضرِ
 

*وقال الشاعر الأديب أبي عثمان المصحفي في وصف السفرجل:

ومصفـرةُ تختـال في ثـوب نـرجس ٍ          وتعبقُ من مسك زكي التنـفس
 

لها ريحُ محبوب ٍوقسوةُ قـلبـــــه          ولـون مُحبّ حُلّة السُّقم مكتسي
 

*وقال ابن زيدون يصف نوعاًَ من العنب اسمه (( أطراف العذارى )) أهداه إلى جدَّه :

أتاك محُيـيـّاً عني اعتـبـارا           عذارى دُونـه ريقُ الـعذارى
 

تخال الشهُّـد منه مستـمــدّا             ونفـحَ المسك منه مستــعارا
 

يروقُ العـين منـه جسم مـاء             غـدا ثوبُ الهواء له شعـارا
 

ولـولا أنني قد نــــلت مـنه         ولم أسكر لخِلتُ به عُقـــارا
 
رأي النقاد في الشعر الأندلسي

لئن كان شعراء المشرق قد سبقوا إلى شعر الطبيعة ، ولئن كان شعراء الأندلس قد اقتفوا أثرهم في هذا الفن الشعري ، فإنهم لم يتخلفوا عنهم فيه ، أو يقفوا عند حدود الموضوعات التي طرقها المشارقة . والواقع الذي يشاهدُهُ من نفسه أن الأندلسيين قد فاقوا المشارقة في شعر الطبيعة كماً وكيفا ، وتوسّعوا ونوعوا في موضوعاته توسّعاً وتنوعاً فاق كل اعتبار ، كما أنهم كانوا فيه أكثر براعة وابتكار وتجديداً ودقة وتصوير. وقد تفوق الأندلسيون في وصف الطبيعة على شعراء المشرق ، وأتوا بالروائع الخالدة ، لما وهبهم الله من طبيعة ساحرة وخلابة ، فقد كانت الأندلس من أغنى بقاع الدنيا منظراً وأوفرها جمالاً ولذلك شُغِف الأندلسيون بها ، فأقبلوا يسرحون النظر في خمائلها ، ويستمتعون بمفاتنها ، فوصفوا الرياض والبساتين والأشجار والثمار والأزهار والطيور ووصفوا السحاب والرعد والبرق وقوس قزح والأنهار والبحار وقد وصفها ابن خفاجة بقوله :

يـا أهـل أنـدلس لله درُّكـمُ                 ماء وظـلُّ وأشجارُ وأنهار
 

ماجنة الخـلـد إلا في دياركم                  ..ولو تخيرتُ هذا كنتُ أختارُ
 

 ومن ثم فكل هذه المحاسن التي حبت الطبيعة بها بلاد الأندلس كما ذكرنا سابقا هي في الواقع المرجع الأول الذي استلهمه شعراء الأندلس ,واستمدوا منه الفيض الزاخر من أغاني الطبيعة التي نظموها تمجيداً لجمال طبيعة وطنهم ,وقد تعددت أغراض شعر الطبيعة لدى الشعراء فكتبوا في  الروضيات والمائيات والزهريات والثلجيات و.....

 

 

 

 

 

  ساعة إلكترونية

دعوة للمشاركة

.أن تكون فرداً في جماعة الأسود خير لك من أن تكون قائداً للنعاج.             إذا كان لك قلب رقيق كالورد  وإرادة صلبة كالفولاذ ويد مفتوحة كالبحر  وعقل  كبير  كالسماء.         فأنت من صناع الأمجاد.            فاتصل بنا وشاركنا